وصف النبي صلى الله عليه وسلم منهج الطائفة الناجية من بين سائر الطوائف بوصف بيِّنٍ غاية في الدقة والتحديد،
فقال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الطائفة الناجية : ( من كان على ما أنا عليه وأصحابي ) رواه الترمذي ،
فكان هذا القول على وجازته منهجا يستدل به على مدى قرب طائفة مــا من هديه صلى الله عليه وسلم،
وما كان عليه أصحابه في مسائل الاعتقاد والسلوك والعبادة ومدى بعدها عنه .
ورغم صراحة هذا الضابط وتحديده إلا أننا وجدنا عددا من طوائف الأمة تنتسب لتلك الطائفة وتدعي أنها هي،
وأن الحق فيما هي عليه دون غيرها، وإذا كان الأمر كذلك،
فلا بد من نصب الميزان العدل لتمييز من هو على نهج السلف ممن هو عنه بعيد،
والأشاعرة من فرق الأمة التي انتسبت إلى السنة، وكان لها أتباع كـثـــر، لا سيما في العصور المتأخرة ،
ونحن هنا - أحبــتي - نعرض لشيء من أصول الأشــآعرة
لنرى مدى التزامهم بمنهج السلف، ومدى تحقق لفظ السنة فيهم .
. التعريــف بالمذهـب.الأشاعرة فرقة إسلامية تنتسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري - رحمه الله -
وتنتهج أسلوب أهل الكلام في تقرير العقائد والرد على المخالفين .
التأسيس وأبـرز الشخصيـآت
أبو الحسن الأشعري : هو أبو الحسن علي بن إسماعيل ، من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ،
ولد بالبصرة سنة 270 هـ ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل :
المرحلة الأولى :
عاش فيها في كنف أبي علي الجبـائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته ،
ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة.
المرحلة الثانية :
ثار فيها على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه ، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً ،
يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه ، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسـه منهجاً جديداً
يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب
في إثبات الصفات السبع عن طريق العقـل : الحيـاة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام ،
أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل
وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها .
المرحلة الثالثة :
إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل
وفي هذه المرحلة كتب[ كتاب الإبانة عن أصول الديانة ] الذي عبّر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم
والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل ، ولم يقتصر على ذلك بل خلّف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة
وشرح العقيدة وتقدّر بثمانية وستين مؤلفاً ، توفي سنة 324 هـ ودفن ببغداد
ونودي على جنازته : ( اليوم مات ناصر السنة ) .
تحوله عن الاعتزال :يجمع المؤرخون لحياة أبي الحسن رحمه الله على التحول الأول في حياته، وهو خروجه من مذهب الاعتزال ونبذه له .
ومع اتفاق الباحثين على رجوعه عن مذهب الاعتزال، إلا أنهم اختلفوا في تحديد سبب ذلك الرجوع،
فقيل إن سبب رجوعه ما رآه في مذهب المعتزلة من عجز ظاهر في بعض جوانبه،
فقد كان - رحمه الله - دائم السؤال لأساتذته عما أشكل عليه من مذهبهم، ومما يروى في ذلك :
رمز برمجي:
أن رجلا دخل على أبي علي الجبائي وفي حضرته أبو الحسن الأشعري، فقال الرجل لأبي علي : هل يجوز أن يسمى الله عاقلا ؟ فقال : الجبائي : لا ، لأن العقل مشتق من العقال، وهو المنع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، فاعترض أبو الحسن على جواب أبي علي قائلا : لو كان قياسك المذكور صحيحا، لامتنع إطلاق اسم الحكيم على الله، لأنه مشتق من حَكَمَةِ اللجام، وهي حديدة تمنع الدابة من الخروج، وذكر شواهد من الشعر على ذلك، فلم يحر أبو علي الجبائي جوابا، إلا أنه قال لأبي الحسن، فَلِمَ منعت أنت أن يسمى الله عاقلا، وأجزت أن يسمى حكيما ؟ فقال : لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته ".
. الأفكــار والعقائـــد .من عقائد الأشاعرة المتأخرين التي عرفوا بها وصار العمدة في المذهب عليها:
1- تقديم العقل على النقل: وهو منهج يقوم على افتراض التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية،
ما يستدعي ضرورة تقديم أحدهما، فصاغ الأشاعرة للتعامل مع هذا التعارض الموهوم قانونا
قدموا بموجبه العقل، وجعلوه الحكم على أدلة الشرع، بدعوى أن العقل شاهد للشرع بالتصديق،
فإذا قدمنا النقل عليه فقد طعنا في صدق وصحة شهادة العقل،
مما يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال .
2- نفيهم أن تقوم بالله أمور تتعلق بقدرته ومشيئته:
أي نفي ما يتعلق بالله من الصفات الاختيارية
التي تقوم بذاته،كالاستواء والنزول والمجيء والكلام والرضا والغضب،
فنفوا كلام الله ورضاه وغضبه باعتبارها صفة من صفاته، وادعوا أن نسبة هذه الصفات لله
تستلزم القول بأن الله يطرأ عليه التغير والتحول، وذلك من صفات المخلوقات.
3- إثبات سبع صفات لله عز وجل وتأويل أو تفويض غيرها، فالصفات التي يثبتونها هي
الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام النفسي، أما غير هذه الصفات فهم يتأولونها
كتأولهم صفة الرضا بإرادة العقاب، وصفة الرحمة بإرادة الثواب، واستواء الله على العرش بقهره له واستيلائه عليه،
إلى آخر تأويلاتهم لصفات الله.
4- حصرهم الإيمان في التصديق القلبي: فالإنسان – وفق مذهبهم -
إذا صدق بقلبه، ولو لم ينطق بالشهادتين عمره، ولم يعمل بجوارحه أيا من الأعمال الصالحة،
فهو مؤمن ناج يوم القيامة، يقول الإيجي في المواقف بعد أن ذكر معنى الإيمان في اللغة :
" وأما في الشرع .. فهو عندنا وعليه أكثر الأئمة كالقاضي والأستاذ التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة،
فتفصيلا فيما علم تفصيلا، وإجمالا فيما علم إجمالا "
. مـن علمـآء الأشآعـرة .يزخر المذهب الأشعري بأئمة أعلام، هم الذي رسخوا المذهب وقووا دعائمه، وقعَّدوا له القواعد،
ودافعوا عنه ضد خصومه، إلا أن كثيرا منهم - لسعة علمه - تبين له ضعف مسلك أهل الكلام،
فرجع في آخر عمره إلى مذهب السلف، وعلم أن مذهبهم هو الأسلم والأعلم والأحكم،
ونحن نذكر بحول الله وقوته بعض أشهر علماء الأشاعرة،ونبين رجوع من رجع منهم إلى مذهب السلف،
فمن علمائهم:
1. أبو الحسن الطبري، توفي بحدود سنة 380هـ
2. أبو بكر الباقلاني ت 403هـ ،
3. محمد بن الحسن بن فورك : ت 406هـ،
4. أبو المعالي إمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجويني
رموز PHP:
إلا أنه رجع عن المذهب الأشعري أخيرا ، كما حكاه عنه غير واحد
منهم أبو الفتح الطبري الفقيه، قال : دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال :
اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة،
وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور " ( سير أعلام النبلاء 18/474)
5. أبو حامد محمد بن محمد العزالي ت 505هـ،
6. أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ت 548هـ
اقتباس:
قد رجع عن المذاهب الكلامية إلى دين الفطرة جاء في نهاية الإقدام ص4
قوله : " عليكم بدين العجائز فإنه من أسنى الجوائز "
7. أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسين الرازي ويعرف بابن خطيب الري توفي سنة 606هـ
رمز برمجي:جاء في لسان الميزان ( 4/427 ) : " وكان مع تبحره في الأصول يقول : " من التزم دين العجائز فهو الفائز " ، وقال ابن الصلاح أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول:" يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى،
وروى عنه أنه قال: " لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها
تروي غليلا ولا تشفي عليلا ، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن "
يتـــبـ ــع: